تعريف علم النفس ، و مناهج البحث في علم النفس

يعد علم النفس من العلوم المحببة إلى كل إنسان ، والواقع أن كل فرد منا يحمل في نفسه معمله الخاص الذي يستطيع من خلاله أن يتأمل ما يجري في نفسه ويقارنه بما يجري في نفوس الغير بما يلاحظه من سلوكهم ، وأن يطابق بين إحساساته وبين الآراء والتفسيرات العلمية التي يصادفها.

ويمكن القول أن علم النفس بالرغم من أنه علم حديث في صورته التي نعرفها الآن إلا أن بذوره متأصلة وموجودة منذ وجد الإنسان مهما كان جنسه أو أصله.{1}

مناهج البحث في علم النفس

تعريف علم النفس

يعرف علم النفس بأنه العلم الذي يدرس سلوك الإنسان ، بأوسع معنى لمصطلح السلوك ، بحيث يشمل نشاط الإنسان في تفاعله مع بيئته تعديلاً لها حتى تصبح أكثر ملائمة له ، أو تكيفاً ذاتياً معها حتى يحقق لنفسه أكبر توافق معها.

والسلوك بهذا المعنى الشامل الواسع يتضمن ما هو ظاهر يمكن للآخر إدراكه كتناول الطعام والشراب والمشي والجري والقفز والاعتداء بالضرب والقيام بالأعمال والواجبات كما يتضمن ما هو غير مدرك إلا من قبل صاحبه مثل التفكير الصامت والتخيل والتذكر والأوهام والمخاوف والآمال والحزن والسرور والغضب وما إلى ذلك من انفعالات قد لا تصاحبها مظاهر مكشوفة يحسها الآخرون.

بل إن السلوك يتضمن ما لا يستطيع أن يدركه حتى القائم به ذاته مثل ما يكون داخل النفس من دوافع ورغبات وآمال ومخاوف لا يشعر بها صاحبها ، وحتى إن شعر بها فهو لا يعرف معناها الحقيقي ، لأنها لا شعورية في أساسها على نحو سلوك النائم في أحلامه وما يراه فيها بل وحركته الفعلية اثناءها كالكلام بصوت مسموع أو المشي أثناء النوم ، وعلى نحو أيضاً أعراض الأمراض النفسية ومظاهرها عموماً ، كما يتضمن السلوك بالمثل ما تقوم به أجهزتنا الجسمية من نشاطات قد نستطيع الإحساس بها كالتنفس وطرفة العين ، وقد لا نستطيع أن نحسها حتى لو قصدنا إلى ذلك مثل إفرازات المعدة وإفرازات السكر في الدم.{3}

جذور علم النفس

منذ تأسيس معمل علم النفس في (ليبزج) بألمانيا عام 1879 قام (فونت) بدراسة القوالب المشكلة لبناء العقل البشري حيث أن علم النفس ما هو إلا دراسة التجارب والخبرات التي نمر بها ونشعر بها .

كما قام (فونت) بتطوير نموذج أطلق عليه (الاتجاه البنائي-structu ralism) وهو نموذج يتعلق بالتركيب المادي للجسم مع التركيز على العناصر الأساسية لعمليات التفكير والمشاعر والأحاسيس وغيرها من أنواع الحالات العقلية والأنشطة ، وذلك بهدف الجمع بين هذه المشاعر والأحاسيس الأساسية وإدراك العالم الخارجي.

وخلال العشرين عاماً الأخيرة ، بدأ الناس يهتمون بعملية وصف التجارب الداخلية كالمعاناه من الآلام الجسمية والنفسية من ناحية والتركيز على دراسة التفكير والذاكرة والتذكر والقدرة على حل المشكلات من ناحية أخرى ، وقد أدت هذه الصحوة إلى ظهور الاتجاه الوظيفي وهو من الاتجاهات المبكرة في علم النفس الذي يركز على عمل العقل ووظائف النشاط العقلي ودور السلوك في صنع الحياة وتكيف الناس مع مجتمعهم الذي يعيشون به.{2}

أهداف علم النفس

دراسة علم النفس تحقق أهدافاً كثيرة تختلف باختلاف الدارسين ، فهناك من يدرسه لمعرفة الدلالة السيكولوجية للأحداث التاريخية الكبرى ، وهناك من يهتم به للبحث عن حلول لمشكلاته الخاصة في الحياة وفي العمل ، وهناك من يدرسه بقصد اكتساب الخبرة التي تؤهله لمساعدة الآخرين ، وهناك من يستهدف من وراء دراسته اكتساب القدرة على تفسير السلوك الإنساني المعقد.

والواقع أننا جميعاً نحب أن ندرس الناس وأن نفهم دوافعهم وميولهم واتجاهاتهم وسمات شخصياتهم.

وعلم النفس من أهم العلوم التي تدرس الناس ، فجميع الناس لها تأثير سيكولوجي علينا ، كما أننا بدورنا نؤثر تأثيراً سيكولوجياً على غيرنا من الناس ، وآباؤنا ورؤسائنا وأصدقائنا وزملاؤنا يؤثرون فينا ، ويعتقد بعض الناس أن علم النفس يدرس السلوك الشاذ أو المنحرف أو الشخصيات الشاذة كمرضى العقول أو النفوس أو الأطفال أصحاب المشكلات والصعوبات النفسية ولكن هذا الاعتقاد يجانبه الصواب لأن علم النفس يهتم بالشخص السوي كاهتمامه بالشاذ.

كذلك يخطئ الناس عندما يعتقدون أن الشخصيات البارزة في السياسة أو في الصناعة أو في الفن أو في العلم إنما يتحركون طبقاً للمبادئ المنطقية وحسب ، ولكن في الواقع هناك أيضاً العوامل السيكولوجية التي تكمن وراء سلوكهم والتي تؤثر فيه تأثيراً واضحاً.

إن علم النفس يهتم بدراسة القائد كاهتمامه بدراسة سلوك الأتباع ، هذا وإن كنا نؤمن أن القائد له تأثير علينا أكثر من غيره من الناس ، وكثيراً ما قام الطغاة والجبابرة في التاريخ بأعمال كبيرة غيرت مجرى التاريخ وبدلت من شكل خريطة العالم ولم يكن يدفعهم سوى عوامل سيكولوجية قوية ، سعوا إلى إشباعها عن طريق السياسة والحروب.

فلا شك أن عوامل نفسية كانت تحرك الشخصيات مثل هتلر أو نابليون أو نيرون وسوف يتمكن الناس في يوم ما من إدراك الفرق بين الشخصية الدكتاتورية وشخصية رجل الدولة الأصيل وذلك عن طريق زيادة الوعي السيكولوجي وعن طريق فهم الطبيعة البشرية .{4}

أهمية علم النفس

يهتم علم النفس بفهم الإنسان ومحاولة تغيير أو تعديل سلوكه. كما أن الغرض الرئيسي لكل علم ومن بينها علم النفس وصف الظواهر التي يدور حولها مجال بحثه وفهمها والكشف عن أسباب ظهورها.

فعلم النفس قبل أي علم آخر له ناحية نظرية تتمثل في دراسة الظواهر النفسية ، التي تتضح في السلوك الخارجي بغرض التوصل إلى القوانين العامة والمبادئ التي تحكم هذه الظواهر.

وناحية تطبيقية تتمثل في الاستفادة من هذه القوانين في التحكم في السلوك الإنساني وتغييره وتوجيهه التوجيه السليم.

ومن بين اهتمامات علم النفس تصميمه لمقاييس تميز السلوك العادي في مقابل السلوك المرضي ووضع حلول لكثير من المشاكل اليومية ، كما تظهر أهمية علم النفس بصورة أوضح إذا ما استعرضنا فروع علم النفس.{1}

مناهج البحث في علم النفس

مناهج البحث في علم النفس كثيرة وأكثر ما يعتمد عليه علم النفس هي المناهج التالية :

  • المنهج الاستبطاني.
  • المنهج التجريبي.
  • منهج الملاحظة.
  • المنهج العيادي.
  • المنهج الإحصائي.

منهج البحث الاستبطاني

يطلق على هذا المنهج أيضاً ، اسم منهج الملاحظة الذاتية ويقوم هذا المنهج كما يبين اسمه على تأمل الفرد ذاته وملاحظته لحوادثه النفسية.

فإذا أردنا أن نعرف شيئاً عن خبرة نفسية ما مثل إدراك أو تذكر أو ألم أو لذة أو تعلم وغير ذلك من الخبرات فما علينا سوى أن نتأمل ذواتنا حين وقوع الخبرات علينا.

كان الاستبطان هو المنهج الحصري الذي استقى من الفلاسفة العقلانيون الوقائع التي استخرجوا منها النتائج بالمحاكمة. وتبنى (فوندت) رائد علم النفس الحديث ومؤسسه ، لهذا المنهج نتيجة حتمية لتعريفه علم النفس أنه الدراسة التحليلية للخبرة المباشرة ، فالخبرة المباشرة وقف على من يعانيها وهو وحده القادر على ملاحظتها ، ولا تتحول إلى واقعة علمية إلا عبر التقرير اللفظي الذي يدلي به المستبطن.

قد فرق (فوندت) بين الاستبطان التجريبي ، أي الملاحظة الذاتية المقصودة ، والاستبطان غير التجريبي أي الملاحظة الذاتية غير المقصودة أو العفوية وعد الأولى وحدها منهجاً علمياً ، في حين رأى أن الملاحظة العفوية أي الانتباه العارض إلى خبرة نفسية وتأملها ، غير مفيدة في الأغراض العلمية.

يقتضي الاستبطان التجريبي عدداً من الشروط من جانب المستبطن أهمها :

  • الهدوء.
  • الراحة.
  • التدريب.
  • الموضوعية.

منهج البحث التجريبي

يقوم هذا المنهج على الملاحظة والتجريب ، لا على الرأي ، والمعتقد أن عالم النفس يخطط لتجارب وملاحظات يستطيع غيره من العلماء أن يكررها ويحصل على الوقائع على شكل قياسات كمية غالباً يمكن التحقق منها.

ينطلق الباحث من صياغة نظرية أو فرضية تلخص عدداً من الملاحظات وتتنبأ بما يمكن أن نتوقع حدوثه في موقف جديد ، ويستخدم الباحث القياس ويلجأ إلى الوصف ، والتصنيف حين لا يكون القياس ممكناً.

ويقدم الباحث أيضاً تعريفات للمصطلحات التي يستعملها ليكون القراء والباحثون الآخرون على بينة من الزاوية التي ينظر منها الباحث إلى الظاهرة المدروسة ، وتسمى هذه المصطلحات ( التعريفات الإجرائية ) وهي التي تعرف الظواهر بالطرق المستعملة في قياسها أو معالجتها.

يقوم التجريب على ما يلي:

  • التغيير في المتحولات التي يفترض الباحث أن لها أثراً في المسألة التي يدرسها.
  • ضبط الشروط التجريبية.
  • ملاحظة أثر تغير المتحولات في الموقف المدروس.

منهج الملاحظة

بعض الباحثين يعد الملاحظة المنهجية بديلاً للمنهج التجريبي ، وهي مشابهة للتجريب من حيث أن هناك متحولات يجب أن تقاس ولكنه مختلف عنها من حيث أن الباحثين لا يملكون حرية معالجة المتحولة المستقلة كما يريدون ، فهم يركزون على التحولات التي تحدث بصورة طبيعية.

يستطيع عالم النفس بعد الدراسة المنهجية للسلوك الحادث بصورة طبيعية أن يستخلص أسباب هذا السلوك مستخدماً بعض قواعد المنطق.

السمة الأساسية للملاحظة المنهجية في علم النفس هي وصف السلوك كما يحدث بصورة طبيعية مستخدماً الاستبانة والمقابلات ، وطريقة الملاحظة المنهجية تكشف لنا عما يفعله الأفراد وعن صور اختلافهم في سلوكهم.

المنهج التجريبي يعطينا وقائع حول العلاقة بين متحولة مستقلة ومتحولة تابعة ، ولكن عالم النفس الذي يستخدم طريقة الملاحظات المنهجية قد يريد أيضاً أن يكشف عن أسباب السلوك الملاحظ ، وعالم النفس يجري عدداً من الملاحظات في سلوكيات مختلفة من أجل أن يكتشف بعض الترابطات.

فمثلا عالم النفس يريد اكتشاف الأسباب العامة لمجموعة الاضطرابات النفسية المعروفة باسم الفصام وهو مرض نفسي يتجلى في أنواع غريبة ونابية من السلوك والتفكير ، وفي استجابات هيجانية هي متكيفة كما قد تتجلى في هلوسات وهذيانات.

منهج البحث العيادي

يقوم المنهج العيادي على فكرة أساسية هي أن بعض الوقائع التي تجمع حول ظاهرة من الظواهر ، لا يمكن أن تفسَر التفسير المناسب إلا بالاتصال بالأشخاص المعنيين وطرح الفرضيات حول طبيعة استجابتهم وهذا المنهج مستعار من ميدان الطب النفسي.

يقوم هذا المنهج على استخدام الروائز (الاختبارات) للحصول على قياسات كمية والملاحظة المنهجية تأخذ من طريقة الروائز التجريبية حق العيادي في السؤال وطرح فرضيات وتحويل الشروط.

يتميز هذا المنهج بالتركيز على عدد قليل من الحالات التي تدرس دراسة معمقة فهو يستخدم القياسات وأنواع البيانات التي يستطيع الباحث الحصول عليها . ويستعين الباحث بعدد من الأخصائيين الذين يجمعون له الوقائع التي تساعده على التشخيص واكتشاف الأسباب.

يطلق على هذا المنهج أيضاً اسم منهج (تاريخ الحالة) لأن الباحث يتناول حالة واحدة ويدرسها في حاضرها وماضيها دراسة وافية حتى يصل إلى جذورها.

ومن الطبيعي أن هذا المنهج سهل في الظاهر عندما نكتفي في ذكر المبادئ العامة لكنه صعب جداً ويفترض تدريباً طويلاً فهو يقتضي من العيادي دقة في التفسير تسمح له باكتشاف الدلالة الحقيقية للإجابات المباشرة التي يحصل عليها.

منهج البحث الإحصائي

نستخدم الإحصاء لتلخيص الأرقام التي تنجلي عنها الملاحظات والقياسات وتفسير معانيها ، فإننا نحصل على قياسات سلوكية أو علامات التجارب والملاحظات.

نستخدم في الإحصاء ما يسمى مقاييس النزعة المركزية (المتوسط ، الوسيط ، المنوال ، المدى ، الانحراف المعياري) ومقاييس التشتت.

من المناهج الإحصائية المستخدمة في علم النفس أيضاً (الترابط) ويشير إلى العلاقة بين ظاهرتين هذه العلاقة ظاهرة في العلامات التي تحصل عليها مجموعة واحدة من المفحوصين في الظاهرتين.

تزودنا المناهج الإحصائية في علم النفس بطرائق لتبيين قيمة النتائج التي نحصل عليها في مناهج البحث المختلفة.{5}

المراجع

  1. [كامل محمد محمد عويضة /علم النفس/دار الكتب العلمية /بيروت /الطبعة الأولى /1996 /ص3،8 ]
  2. [د.عبد العليم الطويل /معالم علم النفس المعاصر /دار المعرفة الجامعية /الطبعة الثالثة /1999 /ص18 ]
  3. [د.فرج عبد القادر طه /علم النفس وقضايا العصر / دار المعارف /الطبعة الخامسة /1988 /ص16 ]
  4. [د.عبد الرحمن العيسوي /علم النفس العام /دار المعرفة الجامعية /الإسكندرية /2000 /ص28 ]
  5. [ أبحاث /جامعة دمشق ]
 
زر الذهاب إلى الأعلى