ما هو الحب ، تعريف الحب وأنواعه

الحب هو موضوع شائع وقديم قدم دراسة الإنسان نفسه. وإذا كانت الطبيعة البشرية قد درست وحللت بتفصيل كبير ، فإن الحب ضل بعيداً عن هذه الدراسة المكثفة. فالحب استثار الشعر والموسيقى أكثر من استثارته للبحث العلمي. فكانت النتيجة أننا أصبحنا نمتلك ثروة كبيرة من الأشعار والموسيقى الجميلة عن الحب ولكن دون فهم كبير له.{1}

ما هو الحب

إن الحب يزود الفرد بطاقة عالية في وجوده المستقل ، ويربطه بتيار من العلاقات الانفعالية مع شخص آخر ، ويحقق صيغةً من الوجود يريدها ، أو قد يرغب في الاحتفاظ بها.{2}

وينظر إلى القدرة على الحب على أنها واحدة من المؤشرات المهمة الدالة على حسن التوافق النفسي للفرد.{1} فهو مهم للأطفال لضمان سلامة شخصياتهم ، وللشيوخ لكي يغدو لكل شروق معنى.

وقد أشار فرويد إلى أن الحب والعمل هما العملتان الأساسيتان للنضج والشخصية السليمة. ومع ذلك فإن الحب من أكثر الفاعليات البشرية غموضاً. ولعل الأهم من ذلك القيمة العظيمة التي تسبغها على الحب جميع الأجيال في كل الثقافات. وهو كالمال يمكن أن يتعرض للتزييف ، وامتلاكه لا يجعل الناس سعداء بالضرورة.{3}

إن طبيعة الإنسان تكشف عن نفسها في حبها البشري أكثر من أي اتصال آخر مع العالم. والوقوع في الحب هو خبرة تجعل الإنسان مفرط الطاقة ، وموجهاً بقوة جديدة نحو شخص آخر يجذبه ، فينسحب إليه برابطة جديدة ومتفردة.

وإن معايشة الحب هي حالات من الانفعالات والاتجاهات التي تختلف مع كل مرحلة من مراحل الحياة ، ومع كل خطوة في عملية النضج. ولذلك ليس هناك حب واحد ، بل كمية غير محدودة من الاستجابات البشرية لخبرات معايشة الحب.{2}

فعندما نقول أن شخصاً ما يحب كرة القدم أو يحب مشاهدة التلفاز أو يحب زوجته ، فإننا نضمن شيئاً آخراً في كل أنواع الحب هذه. ويسمى هذا العنصر [ التعلق ] ، وهي كلمة محايدة من الناحية العاطفية. فعندما يتعلق شيئان ببعضهما ، فإنهما يقتربان من بعضهما ويرتبطان بصيغة معينة ، سواء كان هذان الشيئان قطعتين خشبيتين مربوطتين ببعضهما أو كانا فردين من الناس يرتبطان باهتمامات مشتركة ، أو فرد له اهتمام ورغبة للارتباط بنشاط معين. وهذا الاهتمام أو الرغبة التي لدى الشخص قد تكون هي القوة التي تشكل رابطة التعلق.

ولكن التعلق لا يرتبط بالضرورة باهتمام أو رغبة بموضوع معين. فقد يبدأ رجل بلعب كرة القدم ليصبح اجتماعياً ويقوي روابط عمله ، وليس لأنه يهتم بهذه اللعبة حقاً. وفي المقابل ، إذا كان يلعب لتنمية مهاراته أو يشعر بالتحدي ، فمن المحتمل أن تعلقه باللعبة سوف يزداد.{1}

وعند النظر إلى الحب بوصفه تعلقاً يتأثر بتعلقات سابقة أو أخرى فسوف نفهم ما نشعر به وما نقوم به عندما نحب. فأنواع الناس الذين نختارهم وأنواع الأشياء التي نفعلها مع هؤلاء الناس ، وأنواع المشاعر التي تجتاحنا ، تميل كلها إلى أن تنبع من تعلقاتنا السابقة. ولا يعني هذا عدم وجود فروق بين تجربة وأخرى ، بل بالأحرى هناك تشابهات لاقتراح أنماط من السلوك تتيح إمكانية معقولة للتنبؤ بما نقوم به. فهناك تعلقات تنمو من الرغبة والاختيار ، وهناك تعلقات تنمو من الحاجة والخبرة.

فالأولى التي تنمو من الرغبة والاختيار لها خاصية واعية وعقلانية. والثانية التي تنمو من الحاجة والخبرة لها خاصية حيوانية وغير مقصودة. فنحن لسنا السادة المطلقين لاختياراتنا. فأجسامنا تسجننا ، والحياة نفسها تشدنا دون أن نتمكن من مقاومتها نحو جهاتها الخاصة.

وعندما تنمو التعلقات فإننا نواصلها لأننا فقط سبق أن ارتبطنا بها. ونصبح عندئذ متعلقين بفكرة أو موضوع أو بملكية أو بخيال أو بمثال ، أو بأي شيء كان. وبالطبع هناك مشاعر ترتبط بتعلقاتنا ، ولكن من غير الصحيح تعريفها بأنها مشاعر طيبة على الدوام.

فالحب بالتأكيد يمكن أن يكون رومنسياً ونبيلاً ، ولكنه في الغالب يكون نرجسياً وأنانياً ، وفي مرات أخرى يظهر بشكل متقطع. وبعض أنواع الحب تجعلنا سعداء ونشعر بالامتلاء ، والبعض الآخر يجعلنا نعاني باستمرار أو نمتلئ بالألم. وهكذا من الواضح أن الشاعر التي ترتبط بالحب غير موثوق بها ، وذلك لأنها تتغير بقدر الطرائق التي نعبر بها عن الحب.{1}

إن خبرات الحب لها أنواع كثيرة. فحب الوالدين لأطفالهما ، وحب الأشقاء ، وحب الشقيقات ، وحب الأصدقاء ، وحب البشرية ، وحب الله ، كلها أنواع متنوعة من الرابطة. ويفترض الحب مواقف العناية والمسؤولية والفهم المتبادل ، والتي تعد جميعها أنماطاً سلوكية بشرية ، لا توجد حقيقة الحب بدونها. ويختلف الحب في كل موسم من مواسم الحياة. ولا يمكن لتعبيره أن يضل متشابهاً فكل خطوة إلى الأمام في النضج تغير من الشخصية ، وكل عام يضيف طابعاً جديداً إلى الشجرة.{2}

تعريف الحب

عرفته كارين هورناي 1936 على أنه القدرة على أن تعطي من نفسك تلقائياً للناس أو لحالة أو لفكرة بدلاً من الحصول على كل شيء لنفسك بطريقة أنانية.{4}

وعرفه آلان فروم على أنه ذلك التعلق سواء بالأشياء أو بالناس وسواء كان ساراً أو غير سار ، جديداً أو قديماً ، شعورياً أو لا شعورياً.{2}

وعرفه هنري جلتمان 1995 على أنه تلك العلاقة التي يمنح فيها أحد الطرفين أو يكون مستعداً لأن يمنح مكانة كبيرة جداً إلى الطرف الآخر.{5}

أما في المعاجم الفلسفية فله معنيان :

  • معنى خاص : وهو أنه عاطفة تجذب شخصاً نحو شخص من الجنس الآخر ، فمصدرها الأول الميل الجنسي.
  • معنى عام : وهو أنه عاطفة يؤدي تنشيطها إلى نوع من أنواع اللذة ، مادية كانت أو معنوية.{6}

أنواع الحب

1. حب الغير وحب الآخرين

جميع الأنواع مبنية على أساس وحد وهو حب الغير أو حب الآخرين. ويعني الإحساس بالمسؤولية نحو الآخرين ، وكذلك الاهتمام المتبادل بالآخرين ورعايتهم ، وكذلك أيضاً الاحترام المتبادل والمعرفة المتبادلة بين أبناء البشر جميعاُ. وهذا يعني أيضاً وجود الرغبة المتبادلة في مساعدة الآخرين ومد يد العون إليهم. هذا النوع هو ما حثت عليه الأديان السماوية جميعها.

2. حب الأم

إن حب الأم هو حب بلا شرط وبلا مقابل ، يحفظ على الطفل حياته ويرعاه. ويعتبر حب الأم أعلى أنواع الحب وأرفعها درجة ومكانة ، كما أنه يعتبر من أكثر أنواع الارتباط العاطفية قداسة. وهنا يجب أن نضيف شيئاً هاماً وهو أن الإقرار بحياة الطفل الوليد والاعتراف بها له مظهران :

  1. المظهر الأول : هو كل أنواع الرعاية والاهتمام الضروريين للمحافظة على حياة الطفل الوليد.
  2. المظهر الثاني : ينصب على التربية الجيدة ، وهذا يعني الاتجاه النفسي نحو جعل الطفل يحب الحياة ، ونحو إعطاء الطفل الشعور بأن حياته مهمة وأنه يجب أن يعيش ، وكذلك إشعار الطفل بأن الطفولة شيء جميل سواء كان الطفل ذكراً أم أنثى.

3. الحب الجنسي

يعني الرغبة في التوحد الكامل ، والرغبة في الذوبان مع وفي الشخص المحبوب ، في هذه الحالة تتجه طاقة الحب إلى شخص واحد بعينه ولا تشمل ما عداه. وقد يكون هذا النوع  أكثر الأنواع غموضاً.

وقبل كل شيء يجب مراعاة أن مفهوم هذا النوع ، فغالباً ما يختلط بمفهوم الخبرات العاطفية التي تكون وليدة الصدفة ، والتي تتميز بالذوبان والانهيار المفاجئ لكل الحدود والحواجز التي كانت تفصل بين رجل ومرأة لم تكن توجد بينهما قبل ذلك أية علاقة.

وهذه الخبرة السريعة والمفاجئة للعلاقة الحميمية بينهما يتم تكوينها في وقت قصير، فقد يتم تكوينها بعد لحظات قليلة من اللقاء والتي تختفي بسببها الحدود التي كانت تفصل بينهما والتي كان يتحتم عليهما أن يتغلبا عليها ويتخطياها ، ويصبحان ليسا بحاجة إلى بذل أي جهد لمعرفة كل منهما للآخر معرفة أكثر وأعمق ، أو ليتقربا من بعضهما أكثر من ذلك فيظل كل منهما يشكل موضوعاً جنسياً فقط. وإذا أدت هذه الخبرة بأحدهما إلى أن يتعمق في معرفة الآخر فإن هذا التعمق سيوضح له أنه يجهله تماماً ولا يعرف عنه شيئاً.

وشيئاً فشيئاً تنطفئ اندفاعة الحب العشقي الغريزي المفاجئ ، ويظهر لكل منهما بوضوح أن المعجزة التي جعلتهما يتخطيان كل الحدود ويلتقيان في علاقتهما الحميمية لم تكن إلا رد فعل للحرمان والعزلة التي كانا يعيشان فيها.

كما أن الخوف من الوحدة والعزلة ، وكذلك رغبة إنسان ما في امتلاك إنسان آخر أو رغبة ذلك الإنسان في منح نفسه لإنسان آخر تعتبر مسؤولة أيضاً عن استثارة الرغبة الجنسية. وقد يكون غرور الإنسان أو رغبته في إيلام الآخرين وتدميرهم سبباً لإثارة الرغبة الجنسية.

ومن ناحية أخرى قد يكون الحب هو المسؤول الأول عن إقامة العلاقة الجنسية. وإذا كان الحب هو المحرك الأول لاستثارة الرغبة الجنسية في موضوع الحب فإن العلاقة ستكون مبنية أساساً للحصول على مزيد من الحب ، وللحصول على مزيد من الحنان ، من الشخص الذي نحبه.

وإذا كان الحب العشقي الجنسي لا يقوم على أساس من حب الآخرين فإنه لن يؤدي إلا إلى اتحاد عابر يتمثل في إشباع شهوة جنسية عابرة.

4. حب الذات

يعتبر حب الذات مهماً للصحة النفسية للشخص ولكن بشرط أن لا يصل إلى درجة الأنانية ، فإذا كنت تحب نفسك فعليك أن تحب جميع البشر بنفس الدرجة ، فإذا أحببت إنساناً واحداً بدرجة أقل من حبك لنفسك فإنك ستخسر جزئاً من حبك لنفسك.

5. حب الوطن

إننا جميعاً كأبناء مجتمع أو وطن واحد على استعداد كامل للتضحية بالنفس دفاعاً عن الوطن .

6. الحب الإلهي

يتفق علماء النفس على أن الشكل الديني للحب يتمثل في حب الله ، إنه حب صادر عن انفصال وانعزال وغربة الإنسان ، حب يهدف إلى تحقيق خبرة التوحد بهدف التخلص من الخبرة الأولى المؤلمة وهي خبرة الغربة والانفصال.{7}

المراجع
  1. [ fromme ، a / 1960 / the ability to love / londin : george allen and unwin ، ltd / p 3 ، 19 ، 20 ، 441 ]
  2. [ benda ، c . e / 1961 / the image of love / new york : the free press of glencoc ، inc / p 52 ]
  3. [ جوردارد ، سيدني ، لندزمن ، تيد / 1988 / الشخصية السليمة / ترجمة حمد دلي الكربولي وموفق الحمداني/ جامعة بغداد : كلية الآداب / ص 339 ]
  4. [ صالح قاسم حسين/ 1988 / الشخصية بين التنظير والقياس / جامعة بغداد : مطبعة التعليم العالي / ص 230 ]
  5. [ gleitman ، h / 1995 / psychology / new york : w w norton and company / p 3905 ]
  6. [ د . ياسر رسلان حب الرمان الحسيني / طبعة أولى 2017 / الحب / دار الشورى / ص 10 ]
  7. [ د . علي السيد سليمان / 2000 / الحب بين الفلسفة والعلم / مكتبة الصفحات الذهبية / الرياض / ص 71، 75 ، 81 ، 87 ، 95 ، 101 ]
زر الذهاب إلى الأعلى