البارانويا “جنون الارتياب”

البارانويا أو ما يعرف باسم جنون الارتياب ، هو نمط من التفكير يتصف بالارتياب والشك الشديدين وغير المنطقيين أي لا أساس له في الواقع ، والذي يتراوح بين الخفيف الناتج عن موقف أو شخص ما يجعل الشخص المصاب غير مرتاحاً أو عصبياً ، إلى الشديد الذي يجعل المريض يشك ويشعر بالريبة من أي شيء يحدث حوله.

وفي شرحنا التالي سوف نتحدث بالتفصيل عن جنون الارتياب ، ونتناول أسبابه وأعراضه وتشخيصه وطرق علاجه.

ما هي البارانويا

تعد البارانويا أحد أعراض بعض الاضطرابات النفسية ، حيث لا تعتبر اضطراباً نفسياً قائماً بحد ذاتهه بل هي مجموعة من الأعراض التي ترافق بعض الاضطرابات النفسية مثل الفصام واضطراب الشخصية المرتابة والاضطراب الوهمي.

وتتميز البارانويا بقلق وخوف شديدين وأفكار تتصف بالريبة والشك في الآخرين بأنهم يحاولون اضطهاد الشخص وتهديده والتآمر عليه ، ويمكن أن تتطور هذه الأفكار لتصبح أوهاماً عندما تستمر لفترة طويلة دون علاج ، فتصبح ثابتة ويصعب تغييرها أو إقناع المريض بأنها غير صحيحة.

أعراض البارانويا

يمكن أن تكون أعراض البارانويا شديدة أو خفيفة ، وذلك يرجع إلى السبب الكامن ورائها ، وتتمثل هذه الأعراض بالتالي :

  • الشعور بالإهانة لأسباب لا تستدعي هذا الشعور.
  • صعوبة كبيرة في الثقة بالآخرين.
  • عدم تقبل النقد نهائياً.
  • سوء الظن بالآخرين وتفسير ملاحظاتهم وتعليقاتهم على أنها إساءة مقصودة للمصاب.
  • العدوانية ، ويكون المريض في موقف دفاعي دائماً.
  • عدم القدرة على الغفر للآخرين أو نسيان أخطائهم.
  • الشعور بأن الآخرين يتحدثون عنه بالسوء من وراء ضهره.
  • الشك المفرط.
  • الشعور بالتهديد المستمر من المحيط.
  • الإحساس بأن جميع الناس من حوله يحاولون اضطهاده.
  • إحساسه بأن من حوله يتآمرون عليه.

أمثلة على أفكار المصاب بالبارانويا

في ما يلي سوف نذكر بعض الأمثلة على تفكير الشخص المصاب بالبارانويا ، تشمل أفكاره التالي :

  • الشعور بأن من حوله ينظرون إليه ويتحدثون عنه.
  • الاعتقاد بوجود منظمة أو جهة ما تتجسس عليه وتراقبه.
  • الاعتقاد بأن الناس يتكلمون ويضحكون عليه من خلف ضهره.
  • الاعتقاد بوجود ناس يحاولون قتله أو إيذائه.

أنواع الاضطرابات النفسية التي تصاحبها البارانويا

في حالات نادرة يمكن أن تكون البارانويا أحد أعراض بعض الأمراض الجسدية ، وبشكل خاص الأمراض التي تصيب الدماغ ، ولكن بشكل رئيسي تظهر أعراض البارانويا مرافقة لبعض الاضطرابات النفسية ، وبشكل خاص الاضطرابات الذهانية. وأهم هذه الاضطرابات التالي :

  1. اضطراب الشخصية الحدية.
  2. اضطراب الشخصية المرتابة.
  3. الاضطراب ثنائي القطب.
  4. الفصام ، وبشكل خاص الفصام البارانودي.

أسباب البارانويا

السبب الدقيق غير معروف ، ولكن توجد عدة عوامل يمكن أن تؤدي إلى الإصابة ، تشمل التالي :

  • الشيخوخة : يعد الأشخاص في عمر الشيخوخة أكثر عرضة للإصابة نتيجة للتغيرات التي تطرأ على حواسهم.
  • الأدوية : توجد بعض الأدوية التي يمكن أن تسبب أعراض البارانويا للشخص عند تناولها.
  • العوامل الوراثية : تشير بعض الدراسات إلى احتمال انتقال هذه المشكلة وراثياً عن طريق الأبوين.
  • تجارب الحياة المؤلمة : تشمل هذه التجارب التعرض لصدمة أو إساءة في مرحلة الطفولة أو الشباب ، فقدان العمل أو فقدان أحد الوالدين.
  • التهابات في الدماغ : حيث وجدت بعض الدراسات أن الأشخاص المصابين بفايروس نقص المناعة في بعض الحالات تظهر لديهم أعراض جنون العظمة.
  • تعاطي المخدرات أو الانسحاب المفاجئ منها.

البارانويا والزواج

يؤثر مرض البارانويا سلباً على العلاقات الاجتماعية والعاطفية بما في ذلك الزواج. فالمرضى المصابين بهذا المرض يعانون من الشك الشديد والريبة ، وهذا يجعلهم يشككون في نوايا الآخرين ويشعرون بالاضطهاد وأنهم مستهدفون.

ويمكن لهذه الأعراض أن تؤثر على العلاقات العاطفية والاجتماعية بما في ذلك الزواج. حيث يمكن أن يشعر الشريك بعدم الثقة نتيجة لسلوك المريض الشكاك والمتشائم والمرتبك.

مع ذلك ، يمكن للمريض المصاب والشريك تجنب الوقوع في بعض المشاكل العاطفية والاجتماعية عن طريق الاتصال المفتوح والصريح والصبر والتفاهم. حيث يجب على المريض أن يشرح بشكل صريح لشريكه الأعراض التي يعاني منها والتأثير الذي تحدثه على حياته ، والشريك بدوره يجب أن يتعلم كيفية التعامل مع هذه الأعراض بشكل فعال.

البارانويا والنرجسية

البارانويا والنرجسية هما اضطرابان نفسيان مختلفان ، ولكل منهما أعراضه وخصائصه المختلفة.

فالبارانويا هو اضطراب يتميز بالشك المستمر واللاعقلاني الذي يتمثل في تصور المريض أن الآخرين يخططون لإيذائه أو التآمر ضده. ويمكن أن يؤدي هذا الاضطراب إلى الانعزال الاجتماعي وتدهور العلاقات الشخصية والمهنية.

أما اضطراب الشخصية النرجسية فهو اضطراب يتميز بالثقة المفرطة بالنفس والاعتقاد بالتفوق والحاجة الملحة لإثبات النفس والتميز ، ويمكن أن يصاحب هذا الاضطراب انغماس في الذات وتجاهل لمشاعر الآخرين ورغباتهم.

ويمكن أن تتشابه البارانويا والنرجسية في بعض الأعراض . فعلى سبيل المثال ، قد يشعر المصابون بالبارانويا بأنهم أفضل من الآخرين ومن ثم يتبنون سلوكيات نرجسية. وأيضاً يمكن أن يتشكل عند المصابين بالنرجسية شكوك وأوهام بأن الآخرين يحاولون إيذاءهم أو التآمر ضدهم.

مضاعفات البارانويا

هناك العديد من المضاعفات المحتملة التي يمكن أن يعاني منها المصاب بالبارانويا ، أهمها :

  • الانعزال الاجتماعي وعدم الثقة بالآخرين ، مما يؤثر سلباً على حياة المريض الاجتماعية والعائلية.
  • الاكتئاب والقلق ، مما يؤثر على حياته اليومية وقدرته على العمل.
  • العنف ، حيث يمكن أن يتطور المرض إلى درجة تجعل المصاب يشعر بالتهديد المستمر من قبل الآخرين ، مما يجعله يتصرف بعنف وعدوانية تجاههم.
  • الانتحار ، حيث يمكن أن يفكر بعض المرضى في الانتحار نتيجة للشعور بالعزلة ، وأيضاً بسبب الاضطرابات النفسية الأخرى التي يظهر معها المرض.

يجب ملاحظة أن المضاعفات المذكورة سابقاً ليس بالضرورة أن يعاني منها جميع المرضى ، وقد تختلف من شخص لآخر اعتماداً على شدة وطبيعة الأعراض.

تشخيص البارانويا

لا يوجد تشخيص محدد للبارانويا وذلك لأنها لا تعد اضطراباً قائماً بحد ذاته ، وغالباً ما تكون أحد أعراض مشكلة جسدية أو نفسية أساسية. وعند ظهور الأعراض على المريض فسوف يقوم الطبيب بالبحث عن المشكلة الأساسية التي أدت إلى ظهورها.

ومن أجل ذلك يقوم الطبيب بإجراء فحوصات كاملة للمريض مثل فحص الدم والبول والرنين المغناطيسي وذلك لاستبعاد وجود مرض جسدي ، ومن ثم يقوم بالتحدث إلى المريض وأسرته لمعرفة الأعراض الدقيقة التي يعاني منها ومدت ظهورها ، وبعد ذلك مقارنة الأعراض مع معايير تشخيص الاضطراب النفسي الذي يسبب ظهور الأعراض.

علاج البارانويا

بعد أن يتم تشخيص الاضطراب الأساسي المؤدي إلى ظهور الأعراض ، سوف يعمل الطبيب النفسي أو الأخصائي على اختيار العلاج الأنسب للحالة ، وهناك عدة خيارات علاجية يمكن استخدامها. تشمل التالي :

العلاج النفسي

يساعد العلاج النفسي المريض على فهم حالته ومن ثم تزويده باستراتيجيات للتأقلم معها ومكافحتها. وللعلاج النفسي عدة أنواع وأكثر هذه الأنواع فاعلية في علاج أعراض البارانويا هو العلاج المعرفي السلوكي ، حيث يعمل الطبيب باستخدام هذا العلاج على على تحديد سبب الأفكار والمعتقدات والسلوكيات الخاطئة عند المريض والإضاءة عليها وتزويده بالاستراتيجيات المناسبة للتعامل معها.

العلاج الدوائي

حسب نوع الاضطراب الأساسي الذي تم تشخيصه ، يتم تقديم الدواء المناسب ، وهناك مجموعة من الأدوية النفسية التي يتم استخدامها ، تشمل على سبيل المثال : مضادات الذهان ، مضادات القلق ، مضادات الاكتئاب.

كيفية التعامل مع مرض البارانويا

في يلي بعض الخطوات التي يمكن اتباعها للتعامل مع مرض البارانويا :

  • يجب على المريض البحث عن العلاج المناسب ، والذي يشمل العلاج الدوائي والعلاج النفسي ، ويجب أن يتم إدارته من قبل طبيب أو أخصائي نفسي مختص.
  • ينبغي على المريض وعائلته تعلم المزيد عن المرض والأعراض المصاحبة له وكيفية التعامل معها.
  • يجب على المريض التواصل بشكل مفتوح مع الأشخاص المقربين منه ، وخاصة الشريك الزوجي ، وشرح الأعراض التي يعاني منها وكيفية التعامل معها.
  • يجب على الأشخاص المقربين من المريض التحلي بالصبر والتفهم والتعاطف معه ، وتقديم الدعم اللازم له.
  • تحسين نوعية الحياة ، وذلك من خلال ممارسة النشاطات التي تساعد على التخفيف من الأعراض المصاحبة للمرض.
  • يجب على المريض تجنب تعاطي المواد المخدرة والكحول ، حيث يمكن أن تزيد هذه المواد من الأعراض المصاحبة للمرض.
  • تحديد وقت مخصص للتفكير ، حيث يمكن للمريض تحديد وقت محدد في اليوم للتفكير في شكوكه ، وإبقائها بعيدةً عن باقي أوقات اليوم.
  • الاسترخاء والتأمل ، حيث يمكن للمريض ممارسة التأمل والاسترخاء ، والذي يمكن أن يساعد في تقليل التوتر والقلق والتحكم في الأفكار.
  • يجب على المصاب العمل على بناء الثقة بنفسه وبالآخرين ، وذلك من خلال ممارسة النشاطات التي تساعد على زيادة الثقة وتحسين الصحة النفسية.
  • يجب على المريض الالتزام بالعلاج المنصوص عليه من قبل الطبيب ، واتباع النصائح الطبية والنفسية بشكل دقيق.
  • يجب على المريض الحفاظ على الاتصال الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين ، والذي يمكن أن يساعد في تحسين الحالة النفسية والعلاقات الاجتماعية.

أسئلة شائعة حول البارانويا

ما هو الفرق بين الشيزوفرينيا البارانويا؟

الشيزوفرينيا والبارانويا هما اضطرابان نفسيان مختلفان ، ولكل منهما أعراض وخصائص مختلفة. ويظهر الاختلاف من خلال النقاط التالية :

  • الأعراض : تُعتبر عدم الثقة والشك من أهم أعراض البارانويا ، بينما تشمل الشيزوفرينيا أعراضاً مثل الهلوسة والأوهام واضطراب التفكير والسلوك.
  • المدة : يبدأ ظهور أعراض الاضطراب البارانودي عادة في منتصف العمر أو لاحقاً ، بينما تبدأ أعراض الشيزوفرينيا عادة في مرحلة البلوغ المبكر أو المتوسط.
  • الشدة : إن البارانويا أقل شدة من الشيزوفرينيا ، حيث أن الشخص المصاب بالبارانويا قادر على التفاعل بشكل وظيفي في الغالب.
  • الذاكرة : يتميز المرضى المصابون بالشيزوفرينيا بعجز في الذاكرة والتركيز ، بينما تبقى الذاكرة سليمة عند مرضى البارانويا.

هل يقتل مريض البارانويا؟

نعم يمكن أن يصل حال مريض البارانويا لدرجة العنف والقتل ، لكن ذلك نادر الحدوث. ويمكن أن تحدث حالات القتل أو العنف نتيجة الإفراط في القلق والشعور بالتهديد ، خاصة إذا كان هناك تاريخ سابق من اضطرابات الشخصية يعاني منها المصاب. وهناك بعض العوامل الأخرى التي يمكن أن تزيد من احتمال قيام المصابين بهذا الاضطراب بأعمال العنف ، تشمل :

  • تعاطي المخدرات أو الكحول بشكل مفرط.
  • شدة وتدهور الأعراض البارانويدية.
  • ضعف القدرة على التحكم في المشاعر والسلوك.
  • عدم وجود دعم اجتماعي.

إلا أن معظم المصابين بهذا الاضطراب لا يكونوا عنيفين ولا ينتهي بهم الأمر إلى ارتكاب أعمال عنف أو قتل.

هل ينتحر مريض البارانويا؟

نعم ، من الممكن أن ينتحر مريض البارانويا ، وذلك يعتمد على شدة المرض وطبيعة الأعراض التي يعاني منها المريض. حيث يعاني المريض من الوهم والشك والريبة ، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الاكتئاب والقلق والانعزال الاجتماعي ، وقد يؤدي ذلك بدوره في بعض الحالات الشديدة إلى الانتحار.

كيف تعرف أنك مصاب بالبارانويا؟

هناك بعض العلامات التي يمكن أن تدل على أنك مصاب بالبارانويا ، تشمل :

  • الشك الدائم وعدم الثقة في الآخرين. بما في ذلك الأصدقاء والعائلة.
  • القلق المستمر والشعور بأن الآخرين يحاولون إيذاؤك أو التلاعب بك مع عدم وجود دليل واضح على ذلك.
  • الاتهامات المستمرة وغير العقلانية للآخرين بالتآمر أو النية السيئة.
  • عدم القدرة على التركيز والتفكير بمنطق سليم وموضوعي.
  • عدم الثقة في الذات والشعور بأنك غير قادر على السيطرة على مشاعرك.
  • التطرف في المشاعر والسلوك ، مثل الانفعالات الشديدة والغضب السريع.
  • الميل إلى تجنب التفاعل الاجتماعي والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية مع الأصدقاء أو العائلة.
  • الإحساس بالإهمال أو الوحدة حتى عند وجود الآخرين.

إذا كانت تعاني من العلامات المذكورة سابقاً بانتظام ، وتسبب لك القلق وتأُثير بشكل سلبي على حياتك اليومية وعلاقاتك ، فيمكن أن تكون مصاباً بهذا الاضطراب. ولكن يجب عليك زيارة الطبيب أو الأخصائي النفسي لتلقي التشخيص الدقيق.

هل يشفى مريض البارانويا؟

يعتبر مرض البارانويا من الأمراض صعبة العلاج ، وبالتالي فإن الشفاء النهائي منه قد لا يكون ممكناً. ولكن يمكن للمرضى المصابين أن يتحسنوا بشكل كبير مع العلاج المناسب ، وبعض المرضى قد يعيشون حياة طبيعية بعد علاجهم.

زر الذهاب إلى الأعلى