الصحة النفسية

تعد الصحة النفسية من أهم المجالات التي اهتمت بها الدراسات النفسية وعلم النفس ، كما أنها المفهوم الأكثر إثارة لاهتمام الناس عامة وعلماء النفس والعلوم الإنسانية خاصة ، فالإنسان بفطرته يحاول الوصول إلى القدر المطلوب من الصحة النفسية السليمة.

مظاهر الصحة النفسية

تعريف الصحة النفسية

تخطر في بالنا فكرة الصحة النفسية عندما يتعرض أحدنا لمشكلة بارزة من مشكلات السلوك ، فإذا لاحظنا شخصاً ما لا يصدر عنه السلوك الملائم في أثناء تعامله مع محيطه ، فإننا نلاحظ أن هذا السلوك غير الملائم يكون غالباً مصدراً لمشكلات وصعوبات.

وسلوك الفرد أثناء تعامله مع ما يحيط به من الأشخاص والكائنات لا يخرج عن كونه نوعاً مما يسميه علماء الحياة تكيف الكائن الحي مع البيئة المحيطة به. ونقول عادة أن حالات التكيف المناسب دالة بوجه عام على الصحة النفسية وأما حالات التكيف غير المناسب فإنها تفصح عن انحراف في الصحة النفسية.

يمكن تعريف الصحة النفسية في ضوء ما تقدم على أنها التوافق التام أو التكامل بين الوظائف النفسية المختلفة مع القدرة على مواجهة الأزمات النفسية العادية التي تطرأ عادة على الإنسان ومع الإحساس الإيجابي بالسعادة والكفاية.

ومعنى التوافق التام بين الوظائف النفسية المختلفة هو خلو المرء من النزعات الداخلية كوقوعه بين اتجاهين مختلفين كأن يتردد بين تحقيق كرامته في نظر نفسه وإشباع جوعه عن طريق السرقة.{1}

وتعريف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية على أنها حالة كاملة من حسن الحال الجسمية والعقلية والاجتماعية وليس مجرد غياب المرض أو الإعاقة.{2}

مناهج الصحة النفسية

1. منهج البحث الوقائي

يتضمن بذل الجهود الممكنة في الاضطراب أو المرض ، والسيطرة عليهما ، حيث أن من أهداف العاملين في مجال الصحة النفسية هو العمل على تقليل معدلات انتشار الاضطرابات النفسية عن طريق وقاية الأفراد من التعرض للاضطرابات النفسية بدءاً من مرحلة الطفولة المبكرة عن طريق تدريب الآباء والأمهات على أساليب التنشئة السليمة ، خصوصاً في عصرنا الحالي الذي تنتشر فيه الأمراض النفسية بمعدلات عالية. وهناك ثلاث مراحل للوقاية هي ما يلي :

– الوقاية الأولية

تهدف إلى وضع ضوابط مسبقة لتجنب حدوث الاضطرابات النفسية ، ويستخدم في سبيل ذلك عدة وسائل مثل التشجيع ، وحرية التجريب ، وحرية التعبير عن المشاعر ، والمساندة الانفعالية خلال مراحل المشقة والتعب ، والعلاقات الحوارية الفعالة ، وغيرها من الأساليب الإيجابية.

– الوقاية الثانوية

في هذه المرحلة يكون المرض النفسي في بدايته ، ولذلك يجب الاهتمام في هذه المرحلة بالكشف المبكر ، حيث تهدف هذه المرحلة إلى وقف الاضطراب النفسي في مرحلة مبكرة مما يسهل علاج المرض أو الاضطراب.

– الوقاية في المرحلة الثالثة

في هذه المرحلة يكون المرض النفسي قد أصاب المريض بحالة من العجز ، فيقوم القائمون على العلاج بمحاولات لخفض هذا العجز ، وإنقاص المشكلات المترتبة عليه مع العمل على منع الانتكاسة.

2. منهج البحث العلاجي

يهدف علم الصحة النفسية إلى علاج حالات سوء التوافق واختلال النفسية ، من خلال تقديم الرعاية الصحية والخدمة العلاجية لجميع المرضى ، تحت إشراف معالجين ومرشدين نفسيين.

3. منهج البحث الإنشائي

هنا لا يوجد اضطراب نفسي ، ولكن يتم التعامل مع الأسوياء ، والهدف منه الوصول بهم إلى أقصى درجة ممكنة من السعادة والرضا. ويمكن تحقيق هذا الهدف السامي من خلال الدراسة العلمية لإمكانات الأفراد ومجالات تفوقهم وإبداعهم ، والعمل على تنمية هذه الإمكانات بما يعود بالنفع عليهم.{3}

مظاهر الصحة النفسية

الصحة النفسية ليست مجرد خلو الفرد من الأعراض الشائعة الصريحة ، الشديدة أو الخفيفة ، والتي تبدو في صورة وساوس أو هلاوس أو توهمات أو مخاوف شاذة ، أو في صورة عجز ظاهر عن معاملة الناس أو ضبط النفس ، بل إنها حالة تتميز إلى جانب هذه المظاهر السلبية بأخرى إيجابية ، موضوعية وذاتية ، موضوعية أي يمكن أن يلاحظها الآخرون ، وذاتية أي لا يشعر بها إلا الفرد نفسه ، ومن هذه المظاهر :

  • إدراك الواقع : يعني أن يبقى الإنسان مدركاً أن التعامل مع الحياة يجب أن يتم من خلال مبدأ الواقع وليس من خلال الأحلام والخيال.
  • المرونة : هي تقبل الجديد من أفكار أو تغيرات ، فتسهل القدرة على الإبداع في أنماط التفكير والتغيير المعرفي المتواصل ، وتشكل أساساً لتقبل الآخر واحترامه والتفاعل معه.
  • الكفاءة الاجتماعية : هي مهارة إدارة العلاقات الاجتماعية من خلال مرونة الأدوار سواء في الأسرة أم في العلاقات الاجتماعية والعمل.
  • تحمل المسؤولية : تعني قدرة الفرد على الاستقلال من خلال مواجهة القرارات المهمة في حياته والقدرة على تحمل نتائج هذه القرارات ، وفرصة التعلم أيضاً من خلال أخطائه والاختيار الحر وتحمل مسؤولية هذا الاختيار.
  • النمو مع العمر : يعني أن ينمو ويتطور الأنسان ( خبرات وتجارب شخصية ) مع ازدياد سنوات عمره الزمني.
  • الاتزان الانفعالي : هذه القدرة هي سمة الحياة ، فإن الفرد الذي يتمكن من تفريغ انفعالاته بأسلوب صحي وسلوك لا يؤذي به نفسه ولا الآخرين من حوله ، ويتعلم كيف يسيطر على ذاته ويضبطها ، وبالتالي التحكم بعتبة الإثارة الانفعالية حتى تتناسب مع نوع وشدة المثير ، فلا يرفع الغضب إلى أشده عند موقف خطأ بسيط يمكن معالجته بأبسط الوسائل.
  • القدرة على مواجهة ضغوط الحياة.
  • السيطرة على البيئة : أي القدرة على إدارة دفة الحياة وضبط المشكلات التي تواجه الإنسان بما يضمن له تفاعلاً وانسجاماً مع نفسه أولاً ومع العالم الخارجي ثانياً.
  • التفاؤل والرضا والسعادة.
  • الشعور بالأمان والاطمئنان النفسي : مثل السعي بحثاً عن بيئة تضمن السلامة.
  • تحقيق الذات.{4}

العوامل المؤثرة بالصحة النفسية

تتأثر الصحة النفسية عند الأفراد منذ بداية نموهم الجسمي والنفسي والاجتماعي بالعديد من العوامل البيئية الخارجية أو النفسية الداخلية ، ومن أهم هذه العوامل :

1. الأسرة

تعتبر الأسرة البيئة الأولية للطفل وأكثرها تأثيراً عليه وعلى الصحة النفسية في المستقبل حيث أتفق العلماء أن السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل هي الأساس المكون لشخصيته واتجاهاته وأنماطه السلوكية والتي تستمر معه في مراحله العمرية المتقدمة ، فالتنشئة الأسرية السوية تخرج أطفالاً وأفراداً أسوياء سليمين متوافقين مع أنفسهم ومع من حولهم ، أما التنشئة الأسرية غير السليمة قد ينتج عنها أفراد غير أسوياء ويعانون من بعض السلوكيات غير التوافقية نتيجة لاكتساب بعض القواعد والأنماط غير المرغوب بها كالأنانية المفرطة وعدم تحمل المسؤولية وغيرها من المشكلات.

2. المدرسة

إن المدرسة هي المؤسسة التعليمية الرسمية التي ينتقل إليها الطفل في عمر محدد ويذهب الطفل إلى المدرسة وهو مزود بالقيم والمعايير والاتجاهات النفسية والاجتماعية الأساسية حيث تعمل المدرسة على توسيع دائرة ما اكتسبه الطفل في المنزل بطريقة منظمة ومدروسة.

وأيضاً في المدرسة يتفاعل الطفل مع أصدقائه ومعلميه في البيئة الصفية والتي تؤثر بدورها سلباً أو إيجاباً على الصحة النفسية عند الطفل فالبيئة المدرسية التي تتسم بالانضباط والنظام مع الحرية والديمقراطية تنشئ فرداً مدعماً بالصحة النفسية السليمة أكثر من الفرد الذي ينشأ في بيئة مدرسية تتسم بالفوضى.

3. العمل

إن طبيعة العمل الذي يعمل به الإنسان تعد من المؤثرات التي تؤثر على الصحة النفسية ، فعندما يعمل الفرد بأجواء مناسبة يكون مرتاحاً نفسياً للقيام بعمله بشكل أفضل ، بعكس وجوده في ظروف عمل غير مناسبة.

فمثلاً عمل الأفراد تحت أشعة الشمس المباشرة في أثناء الصيف مع عدم توفر أي وسائل لحمايتهم من الإصابة بضربة شمس من المحتمل أن يؤثر ذلك على صحتهم النفسية ويشعرهم بالقلق من طبيعة عملهم.

طرق تعزيز الصحة النفسية

هناك الكثير من الطرق والأساليب لتعزيز الصحة النفسية في حياة الفرد لذاته ولمن حوله. من أهم هذه الطرق ما يلي :

  • تلبية الحاجات البيولوجية للإنسان من طعام وشراب ونوم وراحة لكي لا يشعر بأي نقص مما يؤثر على صحته النفسية.
  • مساعدة الفرد على تكوين صورة إيجابية عن ذاته في جميع المواقف والأحداث التي تمر في حياته.
  • الاسترخاء قدر الإمكان في جميع المواقف الحياتية والابتعاد عن مصادر الخوف. ولا يحقق بحث عن الصحة النفسية
  • الاهتمام بالمظهر العام والمحافظة على النظافة الشخصية والمظهر الأنيق، وهذا الأمر له انعكاسات كبيرة ومؤثرة على صحة الفرد النفسية.
  • تحديد هدف واضح للحياة والسعي المستمر والدؤوب لتحقيقه، والتخلص من صراع الدوافع.
  • تنشئة الطفل تنشئة أسرية سليمة خالية من العنف تجاه الأطفال والمراهقين.
  • تعزيز الثقة بالنفس والتمييز بين نقاط الضعف والقوة وتقبلها.
  • التعامل مع الحالات المزاجية التي تصيب كل فرد بطريقة واعية وضبطها.

المراجع

  1. [ د. عبد العزيز القوصي/ أسس الصحة النفسية/ 1952م/ ص3،4،6/ ط4/ القاهرة/ مكتبة النهضة المصرية ]
  2. [ مصطفى حجازي/ الأسرة وصحتها النفسية/ 2015م/ ص72/ ط1/ المركز الثقافي العربي ]
  3. [ د. معصومة سهيل المطيري/ الصحة النفسية مظاهرها واضطراباتها/ 2005/ ص49/ ط1/ مكتبة فلاح للنشر والتوزيع ]
  4. [ محاضرات جامعة دمشق / علم النفس ]
زر الذهاب إلى الأعلى