علم النفس الاجتماعي

يعد علم النفس الاجتماعي أحد فروع علم النفس الأساسية ، وهو العلم الذي يهتم بدراسة وبحث كل مظهر من مظاهر السلوك الاجتماعي للفرد. أي أنه علم سلوك الفرد في الجماعة والمجتمع. وهو كما تدل تسميته عليه يبحث في الميدان العلمي المشترك بين علم النفس والاجتماع.

علم النفس الاجتماعي

علم النفس الاجتماعي

يعرف هذا العلم بأنه العلم الذي يتناول بالوصف والتجريب والتحليل سلوك الفرد مع الأفراد الآخرين واستجابته لهم ، سواء أكان هؤلاء الأفراد مجتمعين أم متفرقين.

أي أنه العلم الذي يعنى بالدراسة العلمية لسلوك الفرد من حيث تأثره بسلوك الأفراد الآخرين ، ومن حيث أثره بهم. وبذلك يهدف الباحث في علم النفس الاجتماعي لاكتشاف العوامل التي يتغير بتأثيرها سلوك الفرد في استجابته للمثيرات الاجتماعية المختلفة.{1}

نشأة علم النفس الاجتماعي

ظهرت النصوص المبكرة التي ترتكز على علم النفس الاجتماعي لأول مرة في بداية القرن العشرين ، حين نشر ماكدوجال أول كتاب بارز باللغة الإنجليزية في عام 1908 بعنوان مقدمة في علم النفس الاجتماعي ، والذي تضمن فصولاً عن العاطفة والمشاعر والأخلاق والشخصية والدين ، وكان ماكدوجال يعتقد أن السلوك الاجتماعي فطري ، غريزي وهذا يعني أن السلوك الاجتماعي فردي ، وهذا الاعتقاد مخالف لما هو عليه علم النفس الاجتماعي الحديث.

ولكن كتاب Allport علم 1924 كان أقرب للتفكير الحالي في علم النفس الاجتماعي بدرجة أكبر ، حيث قال أن السلوك الاجتماعي هو ناتج عن التفاعلات التي تحدث بين الناس في المجتمع ، كما تناول عمله موضوعات لا تزال مقبولة حتى اليوم ، مثل التوافق والعاطفة وتأثيرات الأفراد على الأفراد الآخرين.

كما نشر مورشيسون أول كتيب عن علم النفس الاجتماعي عام 1935. وبعد الحرب العالمية الثانية تم تطوير الكثير من الأبحاث الرئيسية في علم النفس الاجتماعي ، بسبب تزايد عدد الناس المهتمين بسلوك الأفراد عند تجمعهم معاً وفي المواقف الاجتماعية.

وركزت بعض هذه الدراسات على كيفية تشكيل المواقف ، وتغييرها من خلال السياق الاجتماعي وقياسها للتأكد من حدوث التغيير. ومن بين بعض الأعمال الأكثر شهرة هي تلك المتعلقة بالطاعة التي أجراها ميلجرام في دراسته “الصدمة الكهربائية” ، والتي نظرت في الدور الذي تلعبه شخصية السلطة في تشكيل السلوك. وبالمثل ، أظهرت محاكاة سجن زيمباردو بشكل ملحوظ التوافق مع الأدوار المعطاة في العالم الاجتماعي.

ثم بدأت موضوعات أوسع في الظهور ، مثل الإدراك الاجتماعي ، والعدوانية ، والعلاقات ، واتخاذ القرار ، والسلوك الاجتماعي المؤيد والإسناد ، والعديد من هذه الموضوعات هي الأساس في علم النفس الاجتماعي اليوم.

أهمية علم النفس الاجتماعي

هناك أهمية كبيرة لهذا العلم في مجالات متعددة. وهذه المجالات هي ما يلي :

1. علم النفس الاجتماعي والصحة النفسية

يلعب هذا العلم دوراً هاماً في معالجة قضايا الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق والتوتر والرهاب والفصام واضطرابات الشخصية ، وإن معظم هذه المشاكل لها أسباب اجتماعية ونفسية ، وعلم النفس الاجتماعي يختص بتشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية ، والعلماء في هذا المجال مختصون في استكشاف الأسباب الاجتماعية والنفسية للاضطرابات النفسية وعلاجها باستخدام الممارسات النفسية.

وفي بعض البلدان يتم ترخيص علماء النفس الاجتماعي لعلاج المرضى اللذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية بشكل مستقل ، وفي بعض البلدان الأخرى يعمل علماء النفس الاجتماعي مع الأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين لعلاج الاضطرابات النفسية.

2. علم النفس الاجتماعي والعمل

الأعمال التجارية لها أهمية كبيرة في اقتصاد الدول لأنها توفر السلع والخدمات وفرص العمل للمواطنين ، ولعلم النفس الاجتماعي دور بارز في قطاع الأعمال في الوقت الحاضر لأن الأعمال تستخدم تقنيات نفسية لتعزيز إنتاج وبيع السلع ، وأيضاً الإعلانات التلفزيونية للمنتجات مصنوعة على أساس تقنيات التسويق النفسي الاجتماعي ، ويتم إجراء هذه الإعلانات لتغيير موقف الناس تجاه المنتج بالطريقة المرغوبة ، وتغيير الموقف هو جزء من موضوع علم النفس الاجتماعي.

أيضاً يتم إجراء الدراسات الاستقصائية من قبل الشركات لفهم التوجه الاجتماعي والنفسي للأشخاص تجاه المنتجات والخدمات ، وتؤخذ هذه الدراسات في عين الاعتبار لصنع المنتجات في المستقبل مثل الألوان والنكهات والميزات والتكلفة وأيضاً الاعتبارات الأخرى التي تجذب الناس.

3. علم النفس الاجتماعي والتعلم

يساعد في تحسين تقنيات التدريس وممارسات التعلم ومستوى الذكاء ومهارات الإدراك لدى الطلاب وتحفيز الطلاب والعلاقة بين الطالب والمعلم ، حيث يرجع ضعف الأداء الأكاديمي للطلاب في الغالب إلى المشكلات الاجتماعية والنفسية ، والبيئة التقليدية ، وقلة التشجيع….ألخ.

ومهمة علم النفس الاجتماعي في هذا المجال هي الإشارة إلى أوجه القصور في البيئة التعليمية في المدارس والجامعات من أجل جعل البيئة مناسبة وملائمة للتعلم.

يبتكر علم النفس الاجتماعي تقنيات التعلم الفعال ، ويرشد إلى كيفية التعامل مع الإجهاد المرتبط بالدراسة مثل إجهاد الامتحان ، ويرشد إلى طرق التدريس وفقاً لنفسية وعقلية المتعلمين حتى يتمكنوا من التعلم بشكل فعال.

4. علم النفس الاجتماعي والصناعة

لعلم النفس الاجتماعي تطبيق واسع في القطاع الصناعي ، فإن بيئة العمل الجيدة وعلاقات العمل بين الموظفين تعزز إنتاجية وفاعلية الصناعة ، ويتم تدريب أصحاب المصلحة في الصناعات من قبل العلماء لخلق بيئة عمل مناسبة وعلاقات عمل بين الموظفين في الصناعات.

5. علم النفس الاجتماعي والعسكر

هناك دور بارز وأهمية لعلم النفس الاجتماعي في المنظمات العسكرية ، فإنه يتم تدريب الجنود جسدياً ونفسياً على التعامل مع المواقف الصعبة بشجاعة ، ويتم استخدام الأساليب النفسية لتدريب الجنود ليصبحوا مقاتلين شجعان ومصممين على أهدافهم ، وإن الجنود أيضاً يواجهون مواقف مختلفة في الحياة مثل الحروب والكوارث والظروف القاسية فإنه يتم تدريبهم على امتلاك شخصية متوازنة عاطفياً للتعامل مع مثل هذه المواقف بشجاعة.

6. التنشئة الاجتماعية وتنمية الشخصية

يوفر علم النفس الاجتماعي إرشادات للتنشئة الاجتماعية المناسبة للأطفال ، بالنظر إلى هذه الإرشادات يمكن للوالدين مساعدة أطفالهم في تطوير شخصية صحية لهم ، ويشير علم النفس الاجتماعي إلى جميع المشكلات التي تؤدي إلى التنشئة الاجتماعية الخاطئة للأطفال وكذلك يقترح اعتبارات التنشئة الاجتماعية الصحية للأطفال حتى يتمكنوا من تحقيق إمكاناتهم الكاملة والأداء الجيد.

7. علم النفس الاجتماعي والمعرفة

علم النفس الاجتماعي موضوع  واسع ، بغض النظر عن قابليته للتطبيق العملي ، فإنه يعمل كمصدر ضخم للمعرفة المفيدة ، ويشمل  موضوعه جميع مجالات المعرفة المفيدة للباحثين ومجتمع التنمية والعلماء ، ومن هذه المجالات الإدراك والسلوك والتحفيز والقيادة والموقف والتفاعلات الاجتماعية وتنمية الشخصية وغير ذلك أيضاً من المجالات.

إن البحث هو السمة المميزة لهذا العلم، حيث يتم إجراءه لتوليد معرفة موثوقة ومحددة ، تقدم المعرفة المتولدة نظرية لفهم العديد من الاتجاهات النفسية وحل المشكلات النفسية ، وتساعد نظريتها أيضاً التخصصات الأخرى في شرح الظواهر المختلفة مثل علم الاجتماع والقانون والعلوم السياسية والاجتماعية الأخرى.

مواضيع علم النفس الاجتماعي

هناك الكثير من المواضيع التي يبحث فيها علم النفس الاجتماعي ، ونذكر المواضيع الرئيسية منها وهي :

1. الإدراك الاجتماعي

يعمل الإدراك الاجتماعي على معالجة وتخزين وتطبيق المعلومات الاجتماعية ، ويرتبط هذا المجال ارتباطاً وثيقاً في مجال علم النفس المعرفي.

2. المواقف وتغيير المواقف

هو موضوع بحث رئيسي من موضوعات علم النفس الاجتماعي ويتضمن دراسة المواقف. حيث يهتم العلماء بمكونات المواقف ، وكيف تتطور المواقف وكيف تتغير.

وقد حدد الباحثون ثلاث مكونات أساسية للموقف وهي المكون العاطفي والمكون السلوكي والمكون المعرفي وتصف هذه العناصر كيف نشعر ونتصرف ونفهم.

3. العنف والعدوان

يهتم علماء النفس الاجتماعي بسبب وكيفية انخراط الناس في العنف وتصرفهم بعدوانية ، ويبحث العلماء في هذا المجال في العديد من العوامل التي قد تسبب العدوانية بما في ذلك المتغيرات الاجتماعية والتأثيرات الإعلامية ، وغالباً ما ينظر الباحثون إلى الدور الذي يلعبه التعلم الاجتماعي في إنتاج السلوكيات والأفعال العدوانية.

4. السلوك الاجتماعي الإيجابي

السلوك الاجتماعي هو بحث رئيسي آخر في علم النفس الاجتماعي. السلوكيات الاجتماعية هي تلك التي تتضمن المساعدة والتعاون ، وغالباً ما يبحث العلماء عن سبب مساعدة الناس للناس الآخرين ، وكذلك سبب رفضهم أحياناً للمساعدة أو التعاون.

5. التحيز والتمييز

التحيز والتمييز موجودين في أي مجموعة اجتماعية ، ويهتم علماء النفس الاجتماعي بأصول وأسباب وتأثيرات هذه الأنواع من المواقف والتصنيفات الاجتماعية. كيف يتطور التحيز ، ولماذا يتم الحفاظ على القوالب النمطية في مواجهة الأدلة المضادة ، وهذه ليست سوى عدد قليل من الأسئلة التي يسعى علم النفس الاجتماعي للإجابة عليها.

6. الهوية الذاتية والاجتماعية

تعتبر تصوراتنا للهويات الاجتماعية وانفسنا من المجالات الهامة في علم النفس الاجتماعي ، ويهتم علماء النفس الاجتماعي في هذا البحث بمعرفة المزيد حول كيفية تأثير الحياة الداخلية على حياتنا الخارجية ومحيطنا الاجتماعي. وإن الوعي بالذات وتقدير الذات ومفهوم الذات والتعبير عن الذات ليست سوى عدد قليل من العوامل التي تؤثر على تجربتنا الاجتماعية.

7. سلوك المجموعة

يعتبر سلوك المجموعات من أكبر مجالات البحث في علم النفس الاجتماعي. يدرك معظم الناس أن المجموعات تميل إلى التصرف بشكل مختلف عن الأفراد. هذه السلوكيات الجماعية مفيدة وإيجابية في بعض الأحيان ، ولكنها قد تكون ضارة وسلبية أيضاً. غالباً ما ينظر علماء النفس الاجتماعي إلى موضوعات مثل ديناميكيات المجموعة والقيادة واتخاذ القرارات الجماعية والصراعات والتعاون وتأثير المجموعة.

8. التأثير الاجتماعي

يهتم علماء النفس الاجتماعي أيضاً بالدور الذي يلعبه التأثير الاجتماعي في السلوك واتخاذ القرار. وموضوعات مثل علم نفس الإقناع وضغط الأقران والتوافق والطاعة، وهذه ليست سوى عدد قليل من تلك التي تمت دراستها في هذا المجال.

9. العلاقات الشخصية

تلعب العلاقات الاجتماعية دوراً رئيسياً في تشكيل السلوك والمواقف والمشاعر والأفكار. ويدرس علماء النفس الاجتماعي كيف تؤثر هذه العلاقات بين الأشخاص على الأشخاص من خلال النظر إلى الارتباط والإعجاب والحب والانجذاب. وكيف تؤثر العلاقات الوثيقة على الأفراد ، ومدى أهمية العلاقات الشخصية ، وما الذي يسبب الجاذبية ، وهذه ليست سوى بعض المواضيع التي ينظر إليها علماء النفس الاجتماعي بعمق.

زر الذهاب إلى الأعلى