ما هو القلق ، علاج القلق والتوتر

يحتل القلق في علم النفس الحديث مكانة بارزة ، فهو المفهوم المركزي في علم الأمراض النفسية ، والعرض الجوهري في الاضطرابات النفسية ، كما أنه السمة المميزة لعديد من الاضطرابات السلوكية والنفسية.

ويمكن القول أن هذا العصر هو عصر القلق فمع تعقد الحضارة ، وسرعة التغير الاجتماعي وصعوبة التكيف ، ومع التقدم الحضاري السريع والتفكك العائلي ، وصعوبة تحقيق الرغبات الذاتية وبالرغم من إغراءات الحياة ، وضعف القيم الدينية والخلقية يظهر الصراع والقلق لدى البعض ، مما يجعل القلق هو محور الحديث في الأمراض النفسية بل والأمراض السيكوسوماتية.{1}

علاج القلق

تعريف القلق

تأتي كلمة قلق في أصلها من  ANGUSTIA وهي تعني في أصلها الضيق الذي يحصل في القفص الصدري لا إرادياً ، نتيجة عدم قدرة البدن على الحصول على مقادير كافية من الأوكسجين. ويلاحظ أن الشخص إذا شعر أنه مهدد ، يعيش في عالم معاد له ويتوقع مكروهاً ، ينطوي على نفسه وتنكمش علاقاته مع المحيط ، ومعنى هذا أنه سيعيش في عزلة وضيق ، وهو إجراء اضطراري ليحمي نفسه من العالم المعادي.{2}

ويعرف القلق على أنه حالة توتر شامل ومستمر نتيجة توقع تهديد خطر فعلي أو رمزي قد يحدث. ويصاحبها شعور غامض وأعراض نفسية وجسدية.

ورغم أن القلق غالباً ما يكون عرضاً لبعض الاضطرابات النفسية إلا أنه قد يتطور فيصبح هو نفسه اضطراباً نفسياً. ويمكن اعتبار القلق انفعالاً مركباً من الخوف وتوقع التهديد والخطر.

نسبة الإصابة بالقلق

يصيب القلق نحو خمسة بالمئة من السكان في أي وقت بعينه ، وهو يصيب واحد بالمئة تقريباً بالعجز. وثمانون بالمئة من المصابين هم من النساء والغالبية منهن في سن الإنجاب.

وتعزى زيادة انتشار القلق في النساء أكثر من الرجال إلى تعرض النساء لألوان من الضغوط ينفردن بها في مجتمعنا. ولقد ذهب بعض المراقبين إلى القول بأن زيادة الانتشار بين النساء ترتبط ارتباطاً مباشراً بالضغوط التي يخلقها وضع النساء المتدني عن الرجال في حضارتنا.{3}

أنواع القلق

بصورة عامة يوجد نوعان أساسيان للقلق ، هما ما يلي :

1. القلق العادي الموضوعي

ينبع هذا النوع من الواقع ومن ظروف الحياة اليومية ، ويمكن معرفة مصدره وحصر مسبباته ، لأنه يكون غالباً محدوداً في الزمان والمكان ، وينتج عن أسباب واقعية خارجية معقولة.

2. القلق المرضي أو العصابي

وهذا النوع يلازم الفرد مدى طويلة أو طوال حياته ، وهو داخلي غامض ، غير محدود المعالم ، تختلف شدته وعمقه من شخص لآخر ، وفي هذا النوع يجهل الإنسان في الغالب مصادر قلقه.

ولا تأتي تصرفاته وردود أفعاله جواباً على عوامل ومسببات معينة ، بل تهديدات غامضة وشاملة. ولهذا يلاحظ أن رد الفعل يكون بطريقة عشوائية ، وأن السلوك يكون عادة فوضوياً لا يقضي على القلق ، بل قد يزيد في سيطرته وتمكنه.{2}

أسباب القلق

هناك مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الشخص ، وهذه الأسباب هي ما يلي :

1. الأسباب الفزيولوجية

ينشأ القلق من نشاط الجهازين العصبيين السمبتاوي والبارسمبتاوي وخاصة السمبتاوي الذي مركزه الدماغ بالهيبوتلاموس وهو وسط داخل الألياف الخاصة بالانفعال.

2. نزع غرائز قوية

عندما يقوم الشخص بنزع غرائز قوية مثل الجنس والعدوان ، يعجز كبحها فالمجتمع يرفض هذه الغرائز ويوجد صعوبات مادية ومعنوية مترتبة عليها. وفي هذه الحالة يجد الإنسان نفسه بين تحدي مجتمعه وأنظمته وكبح غرائزه واحترام هذه الأنظمة والتمسك بالأخلاق. فيعتقد الناس فيه الخير والصلاح بينما في قرارات نفسه غير ذلك . وهذه الهفوة بين ظاهره وباطنه تكون سبباً للقلق.

3. أفكار ومشاعر مكبوتة

من الأفكار والمشاعر المكبوتة التي تسبب القلق هي الخيالات والتصورات والذكريات الأخلاقية التي تسبب للفرد الشعور بالذنب. وأيضاً الأفكار المكروهة أو المحرمة ، فيحاول الشخص جعل كل هذه الأفكار والتصورات والأفعال سرية وهذا يكلفه جهداً ويؤدي به إلى الإصابة بهذا الاضطراب.

4. عامل السن

إن عامل السن له أثر بالغ في القلق. فهو يظهر عند الأطفال بأعراض تختلف عن تلك الأعراض التي تظهر عند الناضجين. فيكون عند الأطفال على هيئة خوف من الظلام مثلاً أما عند المراهقين فيأخذ مظهراً مختلفاً مثل الشعور بعدم الاستقرار أو الحرج الاجتماعي وخصوصاً عند مقابلة الجنس الآخر.

5. مشاكل الحياة

هناك الكثير من المشاكل الحياتية التي تواجه الشخص وتؤدي به إلى الإصابة بهذا الاضطراب مثل المشاكل العائلية والزوجية والاقتصادية … ألخ.

أعراض القلق

يعاني الشخص المصاب من عدة أعراض تشمل التالي :

1. أعراض القلق الجسدية

  • الضعف العام.
  • نقص الطاقة والحيوية والنشاط والمثابرة.
  • توتر العضلات.
  • النشاط الحركي الزائد.
  • اللازمات العصبية الحركية.
  • التعب.
  • الصداع المستمر والتعرق.
  • تعرق الكفين وارتعاش الأصابع وبرودة الأطراف.
  • شحوب الوجه.
  • سرعة النبض والخفقان والألم في الصدر.
  • اضطرابات التنفس وعسره.
  • نوبات التنهد والشعور بضيق الصدر والدوار.
  • الغثيان والقيئ.
  • الإسهال والتجشؤ.
  • جفاف الفم والحلق.
  • فقدان الشهية ونقص الوزن.
  • إرهاق الحواس مع شدة الحساسية للضوء والصوت.
  • اضطرابات جنسية.

2. أعراض القلق النفسية

  • العصبية والتوتر العام ، والشعور بعدم الراحة.
  • الحساسية الزائدة وسهولة الاستثارة والهياج وعدم الاستقرار.
  • الخوف إلى درجة الفزع ، والشك والارتباك ، والتردد في اتخاذ القرارات.
  • الهم والاكتئاب العابر ، والتشاؤم والانشغال بأخطاء الماضي وكوارث المستقبل.
  • توهم المرض والشعور بقرب النهاية والخوف من الموت.
  • ضعف التركيز وشرود الذهن واضطراب قوة الملاحظة وضعف القدرة على العمل.
  • سوء التوافق الاجتماعي والمهني.{4}

علاج القلق

يوجد عدة طرق لعلاج القلق ، تشمل هذه الطرق التالي :

1. علاج القلق بالأدوية

هناك عدد من الأدوية المختلفة التي تستخدم لعلاج القلق. ويعتبر علاج القلق بالأدوية عاملاً مساعداً ومفيداً إلى جانب العلاجات النفسية. ومن أشهر الأدوية التي توصف للتخفيف من هذا الاضطراب هي الباربيتيورات ، والأفيونات ، والكحول. وإن كل هذه الأدوية لها آثار جانبية سلبية عديدة. ولحسن الحظ فإن الأدوية الحديثة مثل الفاليوم تبين أنها لا تترك آثاراً جانبية جسدية خطيرة.

وتشتمل أكثر الأدوية المضادة للقلق فاعلية بصفة عامة ، ما يلي :

1. البنزوديازيبيات : مثل ( الفاليوم ) و ( لبريوم ) الذي يعمل على تهدئة الفرد عن طريق تعزيز نظام تثبيط الخوف الذي يتوسط الناقل الكيميائي العصبي.

2. الأدوية المثبطة لمستقبلات بيتا (ب) ومثبطات الأوكسيداز أحادي الأمين : لقد أثبتت هذه الأدوية مثل ( الفينيلزين ) فاعليتها في السيطرة على أنواع الرهاب الاجتماعي والاضطرابات العصابية الأخرى في الشخصية. وأيضاً الدواء الأكثر فاعلية لعلاج أعراض القلق الشائعة هو ( بروبرانولول ) وهو من أحد مثبطات مستقبلات بيتا.

3. البيسبيرون : له تأثيرات تضمنية للقلق من خلال نظام السيروتونين. ويتميز بأن آثاره الجانبية قليلة ولا يسبب التسكين الشديد أو أي آثار أخرى.

مضادات الاكتئاب ثلاثية الدورات مثل ( كلوميبرامين ) : أثبتت فاعليتها في الحد من نوبات الهلع واضطرابات القلق في مرحلة الطفولة.{5}

2. علاج القلق النفسي

يعتمد العلاج النفسي على التفاعل والمشاركة بين المريض والمعالج ، ويهدف العلاج النفسي إلى مساعدة الشخص المريض على استعادة التوازن وتحقيق الصحة النفسية ، وذلك بإزالة القلق وتصحيح فكرة المريض عن حالته ، وهناك قواعد وخطوات محددة يسير وفقاً لها العلاج النفسي الحديث كما توجد أنواع وطرق مختلفة لتطبيقاته.

ويتم العلاج النفسي بصفة عامة في صورة جلسات تضم المعالج والمريض ، وخلال الجلسات يتم الاستماع إلى ما يقوله المريض بعد أن يتم إزالة حواجز التوتر والقلق بينه وبين المعالج من البداية.

ومن القواعد الهمة في العلاج النفسي توزيع وقت الجلسات بحيث يخصص 70 بالمئة للاستماع إلى المريض ، و20 بالمئة للحوار معه ، 10 بالمئة لتوجيه بعض النصائح والإرشادات له ، ومن المتوقع أن يحدث الإشباع والارتياح عقب العلاج لدى المريض.

من الأساليب الخاصة للعلاج النفسي التي تمارس حالياً لعلاج القلق وثبت نجاحها ، ما يلي :

  • العلاج الأسري : يوجه هذا العلاج إلى أفراد الأسرة جميعاً وليس للمريض وحده بهدف إزالة التوتر في العلاقة بين أفراد الأسرة وتحقيق الاستقرار.
  • العلاج الزوجي : يتم بمشاركة كلا الزوجين لإزالة مشكلات التوافق فيما بينهم بمشاركة كل منهما.
  • العلاج الجماعي : يتم فيه علاج مجموعة من الحالات المتشابهة معاً في جلسة مشتركة بحضور معالج أو أكثر. وهو أحد الأساليب العلمية الناجحة حيث يتفاعل كل فرد في المجموعة مع الآخرين من حوله ومع المعالج في نفس الوقت.
  • العلاج السلوكي : يقوم على فكرة تعليم المريض كيفية التخلص من القلق كما سبق أن تعود على الاستجابة بالقلق والتوتر. ويركز العلاج السلوكي على حالة المريض الراهنة وعلاج أعراض قلقه وتوتره بعد تحديدها.{6}
  • العلاج السلوكي المعرفي : تهتم النظرية المعرفية بمفهوم أساسي وهو المخططات المعرفية التي تشمل الاعتقادات حول الذات ، الآخرين ، المحيط ، الحياة ، المستقبل. كما تهتم بالعمليات المعرفية والتي تتمثل في قواعد تحويل المعلومات والتي قد تحدث فيها الاستنتاجات الخاطئة.

كما قد تحدث أخطاء في الأسلوب أو أخطاء في التفكير كالإفراط في التعميم ، التهوين ، التضخيم ، التداخل العشوائي. وتشمل المعارف ، الأفكار والصور والحوارات الداخلية والذكريات والأفكار التلقائية. أما النظرية السلوكية فتحتم بتحديد السلوك الخاطئ والمثيرات التي أدت إلى اكتسابه والعوامل التي ساهمت في استمراره وكيفية استبداله بسلوك أكثر ملائمة.{7}

3. علاج القلق الذاتي

هناك بعض الطرق العلاجية التي تساعد الفرد في علاج القلق بمفرده ، ولها فاعلية عند تطبيقها بشكل جيد في التخلص من هذا الاضطراب ، هذه الطرق هي ما يلي :

– العلاج بالاسترخاء

أفضل وأحسن الطرق لعلاج القلق والتوتر من الناحية العملية من خلال أن يتعلم الفرد ويتدرب بانتظام على استرخاء الجسم بأكمله : ويتم هذا بأن يرقد الشخص المصاب ، على سرير غير لين ، ويضم الأطراف إلى أعلى بالتبادل حتى يشعر بتعب بسيط ، ثم يترك الذراع أو الساق تسقط لوحدها مثل كيس الرمل. ثم يسمح للقدمين والساقين الالتصاق بالسرير ، ثم الفخذين والظهر والكفين. ويقوم بفتح فمه ويسمح لرأسه بالالتصاق نحو الخلف.

– فحص أسلوب الحياة

تساعد هذه الطريقة على معرفة المواضيع التي تسبب القلق والتوتر للشخص ، وبعد تحديدها يجب على الشخص أن يتعامل معها بشكل أفضل ويضع برنامج لمواجهتها والتخلص منها. وعند فحص أسلوب الحياة يجب على الشخص أن يسأل نفسه الأسئلة التالية :

  • هل العمل فوق قدرة تحملي؟
  • هل تعود للمنزل وقت وجبة العشاء لتناولها مع الأسرة؟
  • هل رعاية الأطفال أو العمل المنزلي أكثر من طاقتك التحملية؟
  • هل تقلق وتنزعج من التفاصيل؟

والكثير من الأسئلة الآخرة التي من شأنها أن تؤدي بالفرد لمعرفة وتحديد الأسباب الكامنة وراء هذا الاضطراب.

4. علاج القلق بالأعشاب

هناك بعض الأعشاب التي يمكن أن تساعد في علاج التوتر والقلق لدى الشخص ، وهي ما يلي :

  • البابونج : من فوائد البابونج أنه يهدأ ويقوي الدم ، ويبعد الأرق. ولاستعماله يغلى كوب ماء ثم يوضع فيه ملعقة من البابونج ويترك لمدى 15 دقيقة ثم يصفى ويشرب.
  • الزعفران : يساعد الشخص على الفرح ، ويتم استخدامه بأخذ القليل منه ونقعه في فنجان ماء بارد من المساء إلى الصباح ويشرب للضرورة فقط.
  • عرق جناح : مطمئن ومفرح ومهدأ ، يكسر ويطحن جيداً وتسف منه نصف ملعقة صغيرة.
  • التليو : يعمل كمهدئ للأعصاب ، يشرب كمستحلب مثل البابونج.{9}

نصائح  تساعدك في التخلص من القلق والتوتر

  • المشاركة في النقاشات الأسرية والمشاكل التي تواجهها ولا سيما ما يخص النواحي الاقتصادية ولا تتحملها أنت وحدك.
  • ممارسة الأنشطة المتعددة مثل العمل في البستان أو المشي ، والأنشطة البدنية الأخرى ، زيارة الأصدقاء ، وممارسة الأعمال اليدوية والفنية وبشكل خاص الرسم لأنه يعتبر علاج ممتاز يساعدك في التخلص من القلق والتوتر.
  • طلب مشورة طبيب نفسي حيث أنه من الصعب أن يدرس الإنسان مواقفه الشخصية بنفسه ، لذا يكون من المفيد طلب المساعدة من الطبيب النفسي لاكتشافها وتحديدها.
  • الدراسة الدقيقة للمواقف التي تؤدي بك إلى القلق والتوتر النفسي وحاول أن تعيد تعديل برامجك في استقبالها ومواجهتها.

ومثال على هذا : من المعروف أن القيادة السريعة للسيارة ترفع ضغط الدم ، لذلك يجب أن تقود سيارتك بمهارة وهدوء دون استعجال أو منافسة.{8}

المراجع

  1. [د. أسماء عبدالله العطية / الإرشاد السلوكي المعرفي لاضطرابات القل*ق لدى الأطفال / مؤسسة حورس الدولية / الطبعة الأولى / 2008 / الإسكندرية / ص 9 ]
  2. [ د. الأزرق بن علو / كيف تتغلب على القل*ق وتنعم بالحياة / طار قباء للطباعة والنشر م القاهرة / 2002 / ص 87 ، 89]
  3. [د. دافيد شيهان / ترجمة عزت شعلان / مرض القل*ق / عالم المعرفة / المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب / الكويت / ص23]
  4. [حامد عبد السلام زهران / الصحة النفسية والعلاج النفسي / عالم الكتب / طبعة 3 / القاهرة ]
  5. [ موشي زيدنر ، جيرالد مانيوس / ترجمة : د. معتز سيد عبدالله ، د. الحسن محمد عبد المنعم / المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب / 2016 / ص251 ]
  6. [د. لطفي عبد العزيز الشربيني / كيف تتغلب على القل*ق / دار النهضة العربية / بيروت م / ص 140 ، 141]
  7. [د. كلتوم بلميهوب / دراسات نفسية / مركز البصيرة للبحوث الاستشارات والخدمات التعليمية / الجزائر/ 2011 / ص 150]
  8. [د. كلير فهيم / كيف تقاوم الاكتئاب والقل*ق النفسي / مكتبة الأنجو المصرية / القاهرة / ص 129 ، 130]
  9. [ أبو الفداء محمد عزت محمد عارف / عالج نفسك من القل*ق والتوتر / دار الاعتصام ]
زر الذهاب إلى الأعلى